المقالات

حديث الغدير ومقامات الرسول

حديث الغدير أخذ حقه في البحث والدراسة قديما وحديثا كغيره من الأحاديث التي قالها أو فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأختلف فيها الناس وكتب السنة والتأريخ قد أعطت لهذا الحديث حقه في الدراسة ، لكن الخلاف فيه يتجدد لسببين
الأول : أن هناك فرقة تريد أن تستفيد من هذا الحديث في الإستيلاء على السلطة
والثاني : أن البعض لم يتعمق في دراسة الحديث بعيدا عن المذهبية وبعيدا على الصورة المثالية لصحابة رسول الله وأنهم بشر يعلمون ويجهلون ويصيبون ويخطئون ، وعندما يتحدث العلماء عنهم إنما يبرزون لنا الجانب المشرق من حياتهم لنقتدي بهم ، وأنا هنا لن أتحدث عن يوم الغدير من جانب فقهي ، أو جانب تأريخي كما أني لن أناقش قصة الجارية الهمدانية والتى قتل زوجها وأخذها على رضي الله عنه من ضمن السبايا وأنه دخل بها ، الأمر الذي أغضب أهل اليمن رضي الله عنهم وكان سببا للخلاف بينهم وبين على رضي الله عنه ، لكن سوف أتحدث عن الحديث من باب المقامات لرسول الله ، لأن تصرفات النبي التى تصدر عنه والتفريق بينها من الأهمية بمكان وهو الطريق الصحيح لفهم السنة ومن ثم حفظها والدفاع عنها من المشككين من ناحية والمغالين الحرفيين من ناحية أخرى، لأن العلماء قسموا السنة إلى عدة أقسام ،سنة أتاه بها جبريل عن الله وهذا القسم تشريع من الله ودور الرسول فيها هو البلاغ عن ربه والقسم الثاني: سنة أباح الله له أن يسنها وأمره باستعمال رأيه فيها ،فله أن يرخص فيها لمن يشاء حسب العذر والعله ،والقسم الثالث ما سنه لنا تأديبا فإن فعلناه كان فضيلة وإن تركناه فلا حرج وإذا عكسنا مفهوم السنة على المقامات لرسول الله سيكون له عدة مقامات
الأول : التبليغ والفتيا وهي أكثر تصرفاتة صلى الله عليه وسلم وما صدر منه في هذا المقام فهو واجب على الثقلين ( يا أيها النبي بلغ…الآية)
الثاني: المقام السياسي بإعتباره حاكما لكل الأمة وهذا المقام قائم على الشورى ( وشاورهم في الأمر ) وتصرفه في هذا المقام مراعاة مصلحة الأمة في ذلك العصر وذلك المكان بحسب الحال والعرف ، والذي يلزم على القادة والرؤساء من بعده مراعاة موجبات تغير الأحوال
زمانا ومكانا وحالا
والثالث : ما صدر منه كقاضي يحكم على الظاهر بالاجراءات القضائية القائمة على الأدلة والحجج والاثبات ، وقد صرح بأنه وبموجب طرق رفع الدعوى قد يحكم بناء على ما وصل إليه وقد يكون خطأ ،( قد يكون أحدكم ألحن بحجته من الاخر فأقضي له ) وهذا يدل على عدم تدخل الوحي كما هو في المقام الأول
الرابع: ما صدر منه من باب الجبلة أو العادة أو الخبرة المكتسبة من المجتمع والواقع المعاش ولا علاقة له بالوحي أو التشريع وقد عبر عن هذا المقام بقوله (إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشئ من رأي فإنما أنا بشر) وفي هذا المقام قد يقول خلاف الاولى كأمره بعدم تأبير النخل وما هو مأثور من الوصفات الطبية لأنه يستند إلى التجربة والخبرة
الخامس : الصلح والنصيحة والمشورة والشفاعة وقد كان الصحابة يفرقون بين المقامات والأوامر التى تصدر من رسول الله مثل قصة بريرة عندما طلب منها أن ترجع لزوجها ؟ قالت تأمرني ؟ قال إنما أنا أشفع ؟ قالت لا حاجة لي فيه ومن ذلك الصحابي الذي طلب منه أن يكلم غرماء أبيه ليضعوا من دينه بعد موته فأبوا ؟
فإذا فهمنا هذه المقامات ؟ وسألنا في موضوع حديث الغدير ؟ من أي المقامات ؟ هل هو تشريع وفتوى ؟ فإذا قال قائل نعم ؟ قلنا له أن كل التشريعات أصولها في القرآن وما الرسول الا مبلغ عن ربه ، وقد قال الله في التشريع( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) ولأن المقام ليس مقام تشريع كما أن المقام ليس مقام سياسه وحكم وإمامة ، لأنه يستحيل أن تعقد الإمامة بين جمع قليل من المسلمين في منطقة الغدير ، ويترك الجميع الكبير في عرفة والذي حضره أكثر من مئة ألف ثم أن السياسة والحكم ليست من مقامات التشريع المعين وإنما قائمة على أساس الشورى حتى ولو كان الرسول نفسه هو الحاكم كما قال له ربه ( وشاورهم في الأمر) ( وأمرهم شورى) وقد مارس الرسول الشورى عمليا كما في غزوة الخندق وأحد كما أن الحكم ليس قائما على الأفضلية التعبدية، وإنما على الأفضلية الإدارية وعلى المصالح العامة للشعوب ولهذا نجد أن النبي قد أقر على حكم صنعاء باذان مع وجود أبي موسى الأشعري
كما أن المقام أيضا ليس مقام قضائي ولو كان كذلك لطلب النبي من بريدة الاثبات على دعواه ولكان صدر حكما بحق على رضي الله عنه على تصرفاته ، وعندما يذهب البعض إلى تبرير عدم إقامة الحكم على على رضي الله عنه بأقوال لا تندرج تحت المقام القضائي إطلاقا
ولكل منصف أن يتأمل في مقام يوم الغدير سيجد أن المقام مقام صلح بين زملاء إختلفوا في إدارة الموقف وتقدير المصلحة والمحافظة على المال العام ، ومراعات الجوانب الإنسانية والأعراف والتقاليد الاجتماعية الخاصة بأهل اليمن فقام رسول الله بدور المصلح الإجتماعي بينهم ، ولو كان غير ذلك لصدر في حق الخصوم أحكام ،ولو كان غير ذلك لشهد جميع من حضر على الحكم لأنه يستحيل أن يتواطئ الحضور جميعا أو أنهم لم يفهموا المقام المراد من كلام رسول الله فإذا عرفنا هذا المقام فلا يبقى لتفسير الألفاظ أو معرفة طرق الحديث أو الزيادة أو النقصان فيها أي قيمة علمية

المستشار / خالد علي الجعمي

مدير عام مكتب الأوقاف والإرشاد بمحافظة إب

اترك رداً على nOxrXQufQHPwLvNAIKolQ إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى